العرب أمة عريقة ، بوصفها أمة مفكرة وملهمة ، ولغتهم لغة حية ما زال لأبنائها الباع الطويل في إحيائها حتى قيل عنها أنها لغة ولود بفضل تناسل أساليبها وحسن أردية دلالاتها وتنوع موضوعات بلاغتها ، مواكبة كل حدث ، ومتوائمة لنبضة كل شعور ، هكذا هي وما تزال يتفاخر بها أهلوها ؛ لأنها التليدة الطريفة ، كما أنها وسيلتهم البيانية والفنية التي تغنى بها الشعراء والأدباء ، وكانت مرسى علومهم وموئل اعتقادهم حتى اختارها الله وسيلة للقرآن الكريم في نشر فيوضاته النورانية فرفدها بالكمال ؛ لإقامة أدائها على الوجه الذي نطقوا به ، وتيسيرا لأهلها في كل عصر وإن ضعفت الأصول واضطربت الفروع ، إذ لولا هذا الكتاب الكريم لما وجد على وجه الأرض يعرف اليوم ولا قبل اليوم كيف كانت تنطق العرب بألسنتها وكيف تقيم أحرفها وتحقق مخارجها … فقد ماتت كثير من اللغات القديمة وظلت بقاياها في الألواح لاتستعمل على الرغم من أنها كانت أداة تخاطب لحضارات امتدت لمئات السنين كما هي اللغة السومرية وتلتها الأكدية والهيروغليفية واللاتينية ، ولعل الإنكليزية هي الأخرى التي تسير نحو الانقراض ؛ كون جميع لغات العالم في تغير مستمر لا يمكن لها أن تحتفظ بخصائصها مثلما هي اللغة العربية التي ظلت محتفظة بديمومتها وسر تجددها بعدما صارت لغة مقدسة منحت بقرآننا المجيد سر حياتها ، وهو في كل جزء من أجزائه لايعارض بشيء ، فقد صفاها بعدما جاء بها في ماء الجمال املأ من السحاب ، وفي طراءة الخلق أبهى من الشباب وقد أبرز معانيها الدقيقة بحلة من قشيب الجلال ، ولهذا بهت اصحابها حين تحداهم من أن يأتوا بسورة من مثلة ، فلم يتبينوا لغتهم فيه أكانوا يسمعون بها صوت الحاضر أم صوت المستقبل أم صوت الخلود . وبهذا جللها سبحانه وتعالى بقلائد حضورها وميزها على لغات البشر أجمعين ، فجعلها لغة حية يفخر بها أبناؤها على مدى الأزمان والعصور ، فحق لنا أن نفتخر بها ، وهي تمثل اليوم ثاني لغة عالمية من حيث الانتشار ، لذلك حق على أبنائها كل عام في مثل هذا اليوم يحتفلون بها لغة رسمية ، يتخاطبون بألفاظها ، ويحملون علومهم على لألائها ، ويقيمون عباداتهم من نقاء آياتها.
وبهذه المناسبة الكريمة أهيب بالجميع طلبة وأساتذة أن يتباهوا بلغتهم الجميلة وأن يتكلموها فلا نتباهى بالحديث بغيرها ؛ لأنها هويتنا وصورة مائرة لعنوان حضاراتنا فاستعمالنا لها هو أقوى عمل نقدمه لمجدها الأصيل .
ومن الله التوفيق .

الدكتور طالب الموسوي
رئيس مجلس إدارة كلية الكوت الجامعة .